رأيتُ الناسَ كالأمـواجِ تجـري
تُلاطِمُ بعضها صـاعاً بصـاعِ
فذا وجهٌ بريءٌ لا يُبالي
وذا وجهٌ تقنَّعَ بالقناعِ
وذا مرءٌ رقيقٌ كالأماني
وذا مرءٌ فدومٌ لا يراعي
وذا خـلٌّ أتاني في سروري
وفي حـزني مضى قبـل استـماعي
***
2ــ أنا وقومي
عجِبتُ لما أرى من أمرِ قومٍ
أضاعوني ، وهمُّوا بالضَّياعِ
إذا أقبلتُ بالأمـرِ المُـرجَّى
تنكَّرَ بعضُهم جَهدَ اصطناعي
تخطَّفَ سمعَهم مُحتالُ أمـرٍ
أتى بالأمرِ غيرِ المُستطاعِ
توشَّحَ من خداعِهِ بين قومي
فجاءَ النَّاسَ مرفوعَ الذِّراعِ
ليَخطُبَ في جُموعِ النَّـاسِ أمري
يسُبُّ مقولَتِي ، ويفلُّ باعي
إذا بالنَّاسِ ينصرِفونَ عنِّي
وغُلَّ الصِّدقُ أغلالَ الخداعِ
فإن نطقَ اللسانُ هنا بحرفٍ
تنقَّـلَ غيرُهُ في كـلِّ باعِ
وتلدغُني الشفاهُ بقولِ زورٍ
وتنهشُني كأنيابِ الأفاعي
وأصبحَ جمعُهم يحتالُ غيِّي
فما وجدوا بديلاً لامتناعي
***
3ــ السلطان
ويُحكى أنَّ في الأمثالِ فدماً
ضعيفَ العقل ، مُختلَّ السَّماعِ
عقيمَ الفكـرِ ، مهووساً ، يعاني
بداءِ المُلكِ ، منكوصَ المساعي
تغلغلَ في قلوبِ النَّاسِ حتى
تملَّكَ أمـرَهم دون اقتراعِ
فآنس في خضوعِ النَّاسِ مُلكاً
وأصبحَ أمرُهُ في النَّاسِ راعِ
توقَّفَ بعضُهم يدعونَ بعضاً
وكلُّ النَّاسِ مدْعُوٌّ وداعِ
تأمَّرهم فيأمرُ ثمَّ ينهي
ويحكمُ حُكمَ سلطانٍ مُطاعِ
وفي يومِ المُنى والناسُ نشوى
بحبِّ عزيزِهم طولَ البقاعِ
أتى والشَّرُّ في عينيهِ يبدو
أتى والوجهُ من غيرِ القناعِ
فيمسكُ في اليمينِ بزيف وجهٍ
ويُمسِكُ في شمالِهِ بالسباعِ
فباغتهم بجهلٍ يعتريهِ
وطارد مُكرميهم كالرِّعاعِ
فأذعنَ بعضُهم والبعضُ فــرُّوا
فما عُرِفَ الجبانُ مِنَ الشُّجاعِ
فكبلهم قيودَ الذُّلِّ قهراً
ويقتلُ من مشى في النَّاسِ داعِ
ويأخذُ مالهم ، ويطيحُ فيهم
ويضرِبُ بالسُّيوفِ ولا يُراعي
وصار العزُّ في بلدٍ كريمٍ
أسيرَ الذُّلِّ مكسورَ الذِّراعِ
وسـار بجندهِ في النَّاسِ يزهـو
يُباهي في سمُـوٍ وارتفاعِ
يُبَـدِّدُ حُلمَهم ، ويعيثُ ظُلـماً
يُثيرُ الذُّعرَ في كلِّ اجتماعِ
فلـم يرعَ حقوقَ اللهِ فيهم
ولـم يَكـفِ رعيِّتَهُ الدواعي
وأمسى فاغرا شِدْقَيْهِ فخْـرا
تعالى واعتلى من غيرِ داعِ
فلو وجدَ المُمَانِعَ ما تعالى
وأخفى ضعفهُ تحتَ القناعِ
***
4ــ الوداع
وهذا من أُحِبُّ وقد أتاني
يُهدِّئُ ثورتي قبلَ الوداعِ
ويُقسمُ أنهُ يوماً سيأتي
يُروِّي لوعتي وجوى التياعي
وأَقسمَ أنني كلُّ الأماني
فإن طالَ الحنينُ فلا أُراعي
فجرَّبتُ المذلَّةَ علَّ يبقى
فولَّى مُسرِعاً دون استماعي
ولم يأْبَهْ ، ولم يسمَعْ رجائي
وأزمعَ هارِباً كلَّ الزِّماعِ
وكنتُ أُجاهدُ الأشواقَ حيناً
وأبكي حبَّهُ دون انتفاعِ
فأنَّى سِرتُ تتبعُني شُجوني
وأنَّاتي تُصرُّ على اتِّباعي
وأفواه الجوى فُتِحت أمامي
تُريدُ النَّيْلَ مني وابتلاعي
فأحسستُ الحياةَ تضيعُ منِّي
وأنِّي ضائعٌ كلَّ الضياعِ
لقد مرَّت سنونٌ ذُقتُ فيها
كؤوسَ الشَّوقِ من غيرِ ابتداعِ
فما عرف الفؤادُ لهُ بديلا
ولا عرف المَلالُ سوى امتناعي
إلى أن جاء في يده بديلي
وحاورني بخُبثٍ وامتقاعِ
وأخبرني بأنَّ لهُ حبيباً
عظيم الشأنِ موفورَ المساعي
تمكن من هواهُ وما توانى
لأن الحظَّ يُؤْخذُ بالصِّراعِ
نظرتُ إليهِ أشكو نار قلبي
وأنَّاتي ودمعي والتياعي
نظرتُ لكفِّهِ فوجدتُ فيها
قناعاً جلدهُ جلدَ الأفاعي
نظرتُ لوجههِ فعرفتُ أنِّي
خُدِعتُ مِنَ الهوى ومِنَ القناعِ
عرفتُ بأنَّني أَشْقيتُ نفسي
وأنَّهُ قد تمكن مِنْ خداعي
فما أخزاه شوقي وانتظاري
ولا أبكاهُ وجدي أو ضياعي
***
5ــ العالِم
وحادثتِ الشِّفاهُ حكيمَ قـومٍ
أتى بالعلمِ من كلِّ البقاعِ
فزادَ العقلُ إيماناً بعلـمٍ
يُنيرُ الكونَ يبرقُ كالشعاعِ
تدارسَ علمهُ عقلاءُ ملُّوا
عقيمَ الفكرِ مِنْ جهلٍ مُباعِ
وأنكرَ جاحدٌ للعلمِ قدراً
وأزمع جاهلٌ خلفَ الرِّباعِ
***
فهذا عالِمٌ بالخيرِ يدعـو
جموعَ النَّاسِ في خيرِ اجتماعِ
يُبشِّرُ مَنْ خطا للخيرِ باعاً
ويلعنُ من خطا خطو اللكاعِ
فأقبل مُذعِنٌ للأمرِ طوعاً
وأعرضَ مُعرِضٌ دون استماعِ
***
وهذا مُغرمٌ بالشَّرِّ يبغي
ضلالَ الناسِ في سُبُلِ الصِّراعِ
فيهمسُ بالوداعةِ همسَ سحرٍ
يُضلِّلُ باقتدارٍ وابتداعِ
يُزيِّنُ شَرَّهُ ، ويبيعُ وهماً
ويُتقِنُ كلَّ أصنافِ الخداعِ
تجمَّلَ للورى في خيرِ وجهٍ
ويُخفي قُبحَهُ خلفَ القناعِ
فأَذعَنَ لاستماعِهِ كلُّ خَتْلِ
ومانعهُ بوعيٍ كلُّ واعِ
تجمَّع حولَهُ الجُهَلاءُ حتى
تفشِّى أمرُهم في كلِّ باعِ
فسار بجمعِهم يحتالُ غـيًّا
يدوسُ بشرِّهِ كلَّ البقاعِ
ليقتلَ عالماً للعلمِ يدعو
بقلبٍ جاحدٍ دونَ ارتياعِ
فلا مات الحكيم ، ولا تهاوى
على الأيام علمٌ بارتداعِ
فقوله في القلوبِ له رنينٌ
وحكمتهُ أنارتْ كالشعاعِ
ومازالت رياحُ الشَّرِّ تدوي
ونورُ الحقِّ من دونِ انقطاعِ
***
6ــ خاتمة
غريبٌ أمرُ دنيانا غريبٌ
وجودُ الصِّدقِ في كهف الخداعِ
عجيبٌ أمر دنيانا عجيبٌ
وجود الحبِّ في سُبُلِ الخداعِ
فكلُّ الناس في خيرٍ وشرٍّ
وكلهم حقيقٌ للدواعي
فهل للموتِ غيرُ اللهِ قاضٍ ؟
وهل للناسِ غيرُ اللهِ راعِ ؟
فما بالُ الخليقةُ لا تُبالي
بمن خلقَ الحياةَ ولا تُراعي
فبعضُهمُ تمادى في هواهُ
وبعضُهمُ تقنَّعَ بالقناعِ
يُبدِّلُ خِلقَةَ الرحمنِ حيناً
وحيناً وجهَهُ دون ارتياعِ
أيحسبُ أنهُ يحيا طويلاً
وأنَّ الموتَ يغفلُ أو يُراعي
فمن يأمل بأن الموتَ ينسى
لِيَفعَلْ ما يرى دون ارتداعِ
***
الشاعر سمير الزيات

