الحــــــــــــــــالمة
الجــــــزء الـــــثاني
بقلم / رمضان العلالقة
و أتي يوم الزفاف و تم فيه عقد القران , وسط جمع كبير من المدعوين الذين تبادلوا عبارات التهنئة مع أهلها , الجميع يرسم على وجهه بسمة مجامله كأنهم يتزينون بها , و النساء أخذن يزين العروس في غرفتها بكل أدوات الزينة و الجمال , يبرزن مواقع جمالها فأصبحت كلوحة أبدع فنان في رسمها و نسق ألوانها بعناية كبيرة فكانت رمزا للجمال 0
خرجت العروس من غرفتها إلى المكان المعد للزفاف و المليء بالضجيج و الأضواء الصاخبة , وسط مجموعة كبيرة من النساء و الفتيات اللاتي تدوي زغاريدهن في السماء , فكانت بينهن كزهرة حالمة وسط بستان أبت أن تتفتح زهوره 0
إلى أن وصلت إليه , فألتقط يدها بقوة كأنه يستعرض قوته , ظنا بذلك أنه يجبرها لأحترمه من أول وهلة , ودعاها لتجلس إلى جواره بنبرة فيها شيء من القوة كأنه يأمرها , نظرت إليه نظرة مليئة بالغضب و هي تقول لنفسها (ربنا عايز كده ) .
ثم جلست إلى جواره ووضعت يديها المغلقتين بين ركبتيها و ألقت برأسها بين
كتفيها كأنها تخفى جمالها عليه , و لم ترفع رأسها إلا على عبارات ساخرة تصدر
من بعض الشباب الحاضرين , تفيد برفضهم و السخرية لهذه الزيجة الغير متكافئة .
سمعت هذه العبارات وبدأ يتسلل الخوف الرهيب إلى صدرها , إلى أن تم الزفاف إلى الدار الكبيرة ذات الباحة الواسعة , و انصرف الجميع كل إلى حيث أتى , فأصبحت تعيش مع زوجها في الدار الكبيرة , وبدأ بينهما حديث جاف لم ترى فيه غير الخشونة كأنه يعرف عن شخصيته و تمسكه بعاداته التي ورثها و اعتزازه بها .
ظلت الأمور تسير بينهما بين شد و جذب لأوقات طويلة , تعودت خلالها البكاء المرير وتعودت أيضا أن تسمع ما لا تطيق , فهي المرآة المهذبة الجميلة و التي ترفض و تتمرد علي الكثير من عاداته و تقاليده و التي يتمسك بها تمسكه بعقيدته فهو الرجل المتسلط بعد أن جمع بينهما زمن مليء بعادات و تقاليد غاية في صرامتها 0
كثيرا ما كانت تدور بينهما مناقشات حادة تتسم بالندية , استعمل فيها الزوج الألفاظ البذيئة و يكيل لها الاتهامات بلا معايير أو أدلة لما يسوقه من اتهامات , بل يسوقها لمجرد هواجس يلتهب بها فكره و لمجرد إسكاتها و فرض أرائه المتخلفة حتى تصبح مرجعية لها أيضا و تنتهي إلى أنها مناقشات عقيمة و غير متكافئة , فهي ما زالت عند تمردها للواقع الذي تعيشه و لم تقبل به زوجا مناسبا حتى هذه اللحظة فهو لم يستطع أن يتجاوز حدود قلبها أو يتسلق هذه الأسوار العالية 0
ظل هكذا تنتابه شكوكه المتخلفة إلى أن فرض عليها رقابة لصيقة فهو يتبعها
أينما كانت حتى أصبح كظل لها لا يجتمعان إلا عند الأقدام .
كثيرا ما كان يسألها بحدة ( رايحة فين ؟ ) , فهو يراها المرآة التي يجب عليها أن تطيعه بكل تخلفه و تحجره دون أن تسأل و يجب عليها أيضا ألا تشكو فهي تبوح بأسرار بيته 0
و هي كثيرا ما كانت تضعه في مقارنة مع غيره من الرجال و قليل ما كانت ترجح كفته , إلى أن يضيق صدرها فتحمل ملابسها غاضبة إلى دار أمها لتستريح من متاعبها التي فرضها عليها الزمن , تجلس إلى جوار أمها توسل إليها أن ترحمها من أحزانها فهي لا تحبه , تضرب الأم بيديها على خديها قائلة (ياد الفضيحة تطلقى ؟ ) , ترد عليها بكل توسل ( أيوه يا أمى ) ترد الأم و هي تشعر بحجم الآلام و الهموم التي تراكمت على صدر ابنتها (ما عندناش بنات اطلقت فى العيلة قبل كده 00 لازم تستحملى ! ) , تشعر أنها فقدت بارقة أمل , أو دليل نجاة ينتشلها من سجونها المظلمة , و ترد على أمها ثائرة بصوت مرتفع يجمع بين الحزن و البكاء ( حرام عليك يا أمى تعستينى ) و تنصرف باكية إلى الدار الكبيرة ذات الباحة الواسعة , كأنها تهرب من قاتل إلى قاتل .
و قبل أن تجلس لتستريح ينظر إليها زوجها و تظهر على وجهه علامات الكآبة سائلا بحده ( قابلتى مين هناك ؟) , تشعر أن الحياة تتلون بألوان اليائس أمام عينيها , و يشتد ضيق أغلالها علي معصميها , فيضيق صدرها لما تسمع من حديث لا يتناسب مع مشاعرها الثائرة , ثم تنظر إليه نظرة غاضبة بحلكة ظلام حياتها , و ترد عليه قائلة ( أنت عايز إيه أرحمنى حرام عليك ! ) .
و يتصاعد بينهما الأمر إلى مناقشة حادة كالعادة , تشعر خلالها أنها تجوب نفقا مظلما , أو أنها تسير على طريق تبعثرت فوقه أشواك كثيرة , و ينتهي الأمر إلى أنها مناقشة عقيمة و لا جدوه منها , فهو ما زال عند شكوكه و أفكاره المتحجرة , بل يدفعها إلى أن تلقى بأفكارها التي تربت عليها و تتبع أفكاره و عاداته البائدة , و يزداد ضيق صدرها لما تسمع ضيقا أخر فتنصرف باكية للنوم , فتنغمس عيناها بدموع البكاء المرير حتى تغيب في نوم غير مريح 0
الحــــــــــــــــالمة
الجــــــزء الـثــــاني
بقلم / رمضان العلالقة
الجــــــزء الـــــثاني
بقلم / رمضان العلالقة
و أتي يوم الزفاف و تم فيه عقد القران , وسط جمع كبير من المدعوين الذين تبادلوا عبارات التهنئة مع أهلها , الجميع يرسم على وجهه بسمة مجامله كأنهم يتزينون بها , و النساء أخذن يزين العروس في غرفتها بكل أدوات الزينة و الجمال , يبرزن مواقع جمالها فأصبحت كلوحة أبدع فنان في رسمها و نسق ألوانها بعناية كبيرة فكانت رمزا للجمال 0
خرجت العروس من غرفتها إلى المكان المعد للزفاف و المليء بالضجيج و الأضواء الصاخبة , وسط مجموعة كبيرة من النساء و الفتيات اللاتي تدوي زغاريدهن في السماء , فكانت بينهن كزهرة حالمة وسط بستان أبت أن تتفتح زهوره 0
إلى أن وصلت إليه , فألتقط يدها بقوة كأنه يستعرض قوته , ظنا بذلك أنه يجبرها لأحترمه من أول وهلة , ودعاها لتجلس إلى جواره بنبرة فيها شيء من القوة كأنه يأمرها , نظرت إليه نظرة مليئة بالغضب و هي تقول لنفسها (ربنا عايز كده ) .
ثم جلست إلى جواره ووضعت يديها المغلقتين بين ركبتيها و ألقت برأسها بين
كتفيها كأنها تخفى جمالها عليه , و لم ترفع رأسها إلا على عبارات ساخرة تصدر
من بعض الشباب الحاضرين , تفيد برفضهم و السخرية لهذه الزيجة الغير متكافئة .
سمعت هذه العبارات وبدأ يتسلل الخوف الرهيب إلى صدرها , إلى أن تم الزفاف إلى الدار الكبيرة ذات الباحة الواسعة , و انصرف الجميع كل إلى حيث أتى , فأصبحت تعيش مع زوجها في الدار الكبيرة , وبدأ بينهما حديث جاف لم ترى فيه غير الخشونة كأنه يعرف عن شخصيته و تمسكه بعاداته التي ورثها و اعتزازه بها .
ظلت الأمور تسير بينهما بين شد و جذب لأوقات طويلة , تعودت خلالها البكاء المرير وتعودت أيضا أن تسمع ما لا تطيق , فهي المرآة المهذبة الجميلة و التي ترفض و تتمرد علي الكثير من عاداته و تقاليده و التي يتمسك بها تمسكه بعقيدته فهو الرجل المتسلط بعد أن جمع بينهما زمن مليء بعادات و تقاليد غاية في صرامتها 0
كثيرا ما كانت تدور بينهما مناقشات حادة تتسم بالندية , استعمل فيها الزوج الألفاظ البذيئة و يكيل لها الاتهامات بلا معايير أو أدلة لما يسوقه من اتهامات , بل يسوقها لمجرد هواجس يلتهب بها فكره و لمجرد إسكاتها و فرض أرائه المتخلفة حتى تصبح مرجعية لها أيضا و تنتهي إلى أنها مناقشات عقيمة و غير متكافئة , فهي ما زالت عند تمردها للواقع الذي تعيشه و لم تقبل به زوجا مناسبا حتى هذه اللحظة فهو لم يستطع أن يتجاوز حدود قلبها أو يتسلق هذه الأسوار العالية 0
ظل هكذا تنتابه شكوكه المتخلفة إلى أن فرض عليها رقابة لصيقة فهو يتبعها
أينما كانت حتى أصبح كظل لها لا يجتمعان إلا عند الأقدام .
كثيرا ما كان يسألها بحدة ( رايحة فين ؟ ) , فهو يراها المرآة التي يجب عليها أن تطيعه بكل تخلفه و تحجره دون أن تسأل و يجب عليها أيضا ألا تشكو فهي تبوح بأسرار بيته 0
و هي كثيرا ما كانت تضعه في مقارنة مع غيره من الرجال و قليل ما كانت ترجح كفته , إلى أن يضيق صدرها فتحمل ملابسها غاضبة إلى دار أمها لتستريح من متاعبها التي فرضها عليها الزمن , تجلس إلى جوار أمها توسل إليها أن ترحمها من أحزانها فهي لا تحبه , تضرب الأم بيديها على خديها قائلة (ياد الفضيحة تطلقى ؟ ) , ترد عليها بكل توسل ( أيوه يا أمى ) ترد الأم و هي تشعر بحجم الآلام و الهموم التي تراكمت على صدر ابنتها (ما عندناش بنات اطلقت فى العيلة قبل كده 00 لازم تستحملى ! ) , تشعر أنها فقدت بارقة أمل , أو دليل نجاة ينتشلها من سجونها المظلمة , و ترد على أمها ثائرة بصوت مرتفع يجمع بين الحزن و البكاء ( حرام عليك يا أمى تعستينى ) و تنصرف باكية إلى الدار الكبيرة ذات الباحة الواسعة , كأنها تهرب من قاتل إلى قاتل .
و قبل أن تجلس لتستريح ينظر إليها زوجها و تظهر على وجهه علامات الكآبة سائلا بحده ( قابلتى مين هناك ؟) , تشعر أن الحياة تتلون بألوان اليائس أمام عينيها , و يشتد ضيق أغلالها علي معصميها , فيضيق صدرها لما تسمع من حديث لا يتناسب مع مشاعرها الثائرة , ثم تنظر إليه نظرة غاضبة بحلكة ظلام حياتها , و ترد عليه قائلة ( أنت عايز إيه أرحمنى حرام عليك ! ) .
و يتصاعد بينهما الأمر إلى مناقشة حادة كالعادة , تشعر خلالها أنها تجوب نفقا مظلما , أو أنها تسير على طريق تبعثرت فوقه أشواك كثيرة , و ينتهي الأمر إلى أنها مناقشة عقيمة و لا جدوه منها , فهو ما زال عند شكوكه و أفكاره المتحجرة , بل يدفعها إلى أن تلقى بأفكارها التي تربت عليها و تتبع أفكاره و عاداته البائدة , و يزداد ضيق صدرها لما تسمع ضيقا أخر فتنصرف باكية للنوم , فتنغمس عيناها بدموع البكاء المرير حتى تغيب في نوم غير مريح 0
الحــــــــــــــــالمة
الجــــــزء الـثــــاني
بقلم / رمضان العلالقة
عن Unknown

0 التعليقات:
إرسال تعليق
دام الابداع والرقي فى التواجد نسعد دائماً بعطر تواجدكم